-A +A
بشرى فيصل السباعي
صدقت الحكمة القائلة «اخبرني بما يعجبك.. وسأقول لك من أنت» فعندما نرى أن من أكثر المسلسلات نجاحاً بالتاريخ تلك التي عن الزومبي، ولا يكاد يمر أسبوع بدون فيلم عن الزومبي فلابد أن يكون لهذا الاهتمام المكثف معنى بالعقلية والنفسية الجماعية؛ والزومبي بالأفلام والمسلسلات هم أموات استحوذت عليهم عدوى ما وصارت تحركهم وهم جيف إلى غاية واحدة وهي إلحاق الأذى بالآخرين حتى ينقلوا العدوى إليهم ويصبحوا مثلهم، والأصل الحقيقي لأسطورة الزومبي يرجع لهايتي حيث يعتقد أهلها أن السحرة لهم القدرة على إماتة وإحياء البشر والتحكم بهم بعد إحيائهم كأنهم أناس آليين/‏‏ زومبي، وعندما حلل الدكتور «وايد دايفس» من جامعة هارفرد المزيج الذي يستعمله السحرة لتحويل الناس لزومبي لم يجد فيه سحراً إنما وجد سم السمكة المنتفخة الذي يخفض المؤشرات الحيوية للإنسان حتى أن الأطباء لا يمكنهم رصدها مع إحداثه شللاً كاملاً بالجسد وبقاء الضحية بكامل وعيها فيدفنون الضحية معتقدين أنها ماتت، ثم يأتي الساحر وينبشها ويسقي ضحيته ترياقاً للسم فيزول الشلل وتسترجع مؤشراتها الحيوية، وأما استعباد السحرة للزومبي والتحكم بهم كأناس آليين فهذا ناتج عن التكييف الثقافي الذي برمج الناس على أن هذا نمط سلوك الزومبي بعد عودته، وعندما تتدخل السلطات وتحرر الزومبي يرجعون طبيعيين، وهذه خطورة البرمجة الثقافية فهي تجعل الإنسان لا يعي أنه يمثل دوراً متوقعاً منه تمثيله ويتوهم أنه الشيء الحقيقي مما ذكرني بشهادة للشيخ السعودي «علي العمري» الذي كان لعقود أشهر راق شرعي ونشرت بمقطع مصور قال إن خبرته أقنعته أن جميع من كانوا يأتونه كانوا يتصرفون بشكل لاواع وفق البرمجة الثقافية التي توهمهم أن الجن سبب مشاكلهم وضرب مثلاً بتجربة قام بها على مسنة أمية أضاعت عشرين سنة من عمرها تتنقل بين الرقاة وأقنعوها أنها مسكونة بالجن، فقرأ عليها أبيات شعر لكن بنفس نمط ترتيل القرآن فبدأت تصيح وتنصرع ويتكلم الجني على لسانها أن يتوقف عن إحراقه بالقرآن، فأثبت لها أنها تمثل بشكل لا واع دوراً برمجتها ثقافتها عليه، أما معنى الزومبي بالعقلية والنفسية الجماعية اللاواعية فيمكن رؤيته بالاقتحام الدامي للغوغاء أنصار اليمين للكونجرس الأمريكي، وبالحروب الأهلية بالعالم العربي وغيره وبالإرهابيين والانتحاريين والمتحرشين والجشعين والمتعصبين وأتباع الجماعات وتيار نظريات المؤامرة والديماغوجية/‏‏ الشعبوية/‏‏ الغوغائية/‏ ‏الشوفينية/‏ ‏الميسوجينية ومن اقترفوا جرائم ضد الإنسانية.. كلهم قطعان/‏ ‏زومبي بلا وعي ذاتي قيمي فكري جوهري نقدي موضوعي مستقل، لذا تسيرهم تيارات البرمجة الرائجة ومن يتحكم بها ليسخر الزومبي لأهوائه.

كاتبة سعودية


bushra.sbe@gmail.com